أبوبكر أبوالمجد صحفي وباحث في شؤون آسيا السياسية
منذ استقلالها عام 1991، وكازاخستان تسعى تحت قيادة الرئيس الأول نورسلطان نزارباييف، لتكون دولة رائدة في منطقة أوراسيا والعالم.
وتمكنت القيادة الحكيمة للرئيس الأول من انتقال سلمي للسلطة في كازاخستان، مكن من استكمال الرؤية الخاصة للجمهورية الكازاخية الجديدة إن صحت العبارة.
نموذج جديد
الرئيس الحالي قاسم-جومارت توقايف، وطني نبيل، ولد من رحم المسؤولية الوطنية، وهو يدرك جيدًا متطلبات الدولة في هذه المرحلة، ومعوقات تحقيق الأهداف المرجوة.
لهذا وضع جومارت توقايف، نموذجًا جديدًا للإصلاح، واتخذ قرارات من شأنها تذليل كل العقبات التي ربما تعوق رؤية القيادة لريادة كازاخستان في هذه المرحلة.
ففي خطابه الذي ألقاه بداية سبتمبر الجاري، دعى الرئيس قاسم-جومارت توقايف، إلى تغيير نهج الإدارة العامة وسياسة الموظفين ونظام اتخاذ القرار والمسؤولية عن تنفيذها.
حيث كشفت أزمة وباء كوفيد19، العالمية، والذي تأثرت به كازاخستان مثل كل بلدان العالم، عن ضرورة لإعادة النظر في نظام الإدارة وطرق اتخاذ القرار.
ومن كلماته الخالدة في هذه الكلمة: “في عالم سريع التغير، يصبح اتخاذ القرار البطيء تهديدًا للأمن القومي”.
وبان في أزمة الوباء كيف تمكنت القيادة من جعل نظام الإدارة العامة الحالي بعمل بأقصى سرعة، وتقليل مدة استغراق حل المهام العاجلة حتى لا تستهلك وقتًا وموارد أكثر.
خطة بعيدة المدى
ولكن الرئيس الكازاخي، يريد دولة معاصرة؛ بل ورائدة، لذا قرر إعادة إنشاء هيئة للتخطيط الاستراتيجي والإصلاحات، حيث ستخضع مباشرة لرقابة ومتابعة رئيس الجمهورية.
وأشار جومارت-توقايف، إلى أن هذه الهيئة كانت موجودة في السابق ونفذت بنجاح المهام الموكلة إليها، ولذا سيعيد هذه الهيئة للحياة مجددًا لتصبح رابطًا مركزيًا بين جميع وزارات وأمانات تخطيط الدولة بأكملها.
وأكد الرئيس في خطابه، على أن المهام الموكلة لهذه الهيئة ستكون واضحة وواقعية وملزمة لجميع المؤسسات الحكومية.
وفي سبيل تحقيق هذه المهمة على الوجه الأكمل، لفت جومارت- توقايف، إلى أنه سيتم إنشاء المجلس الرئاسي الأعلى للإصلاحات، وستصبح قراراته نهائية، ومن أجل تحقيق المزيد من الموضوعية في تقييم الوضع المتغير، سيتم نقل لجنة الإحصاء إلى هيئة التخطيط الإستراتيجي.
وبحسب الرؤية الرئاسية، يجب أن يضمن نظام التخطيط الحكومي تعبئة جميع الموارد البشرية، وإشراك القطاع الخاص والمجتمع كشركاء كاملين في جميع المراحل من تخطيط وتنفيذ وتقييم.
إصلاح جذري
تسعى الدولة الكازاخية في هذه المرحلة إلى إنجاز عملية إصلاح جذرية تواكب التغيرات العالمية في كل القطاعات وعلى كل المستويات.
لذا يرى جومارت-توقايف، ضرورة التوقف عن إعداد برامج الدولة بعدد كبير من المؤشرات، من أجل الانتقال إلى صيغة مشاريع وطنية محددة وواضحة ومقبولة بالنسبة لجميع المواطنين.
إن إجراء مثل هذا الإصلاح الجذري سيتطلب مراجعة أنشطة جهاز الدولة بأكمله، وسيصبح التآزر في تخطيط وتنفيذ الإصلاحات مهمًا للغاية، وسوف يتطلب ذلك إعادة إطلاق نظام الخدمة الحكومية.
فقد أظهر الوباء وتحول معظم العاملين بالقطاع الحكومي إلى العمل عن بعد، إلى ضرورة تقليص العاملين بأجهزة الدولة.
وبالفعل أوصى الرئيس جومارت-توقايف، بالإسراع في تقليص العاملين بجهاز الدولة والعاملين في القطاع شبه العام.
وبحسب الرؤية الرئاسية، سيكون من الواجب تخفيض نسبة العاملين بجهاز الدولة بنسبة 10٪، والعام المقبل 2021، بنسبة 15٪، وسيأتي هذا التقليص في ظل تحول كازاخستان إلى الرقمنة.
تخفيض عدد العاملين بأجهزة الدولة سيوفر هامشًا ماديًا ليس بسيطًا من الميزانية، ولذا سيتم استغلالها في زيادة رواتب الموظفين المتبقين، ورفع كفاءتهم.
ومن المعروف عالميًا أن الخدمة العامة التي تقدم للمواطن بأجر منخفض مكلفة للغاية بالنسبة للمجتمع، حيث يؤدي ذلك إلى سوء اختيار الموظف، وفقدان الكفاءات، ووأد روح المبادرة والإبداع وانتشار الفساد.
لذلك، كشف الرئيس الكازاخي، أنه اعتبارًا من أول يوليو 2021، سيتم تقدير العاملين بالدولة بمقياس النقاط، حيث سيؤدي هذا إلى زيادة المسؤولية وتحفيز موظفي الخدمة المدنية.
ومع دخول المؤسسة الإستراتيجية حيز التنفيذ، سيكون من الضروري تفعيل اللامركزية، وتقليص بل إلغاء الوسطاء من الأمناء التنفيذيين بهدف تحرير الوزراء والموظفين من العمل الإداري لضمان استقرار الجهاز.
لذلك سيتم وفق رؤية الرئيس إلغاء مؤسسة الأمناء التنفيذيين وإسناد مسؤولياتهم إلى رؤساء الأجهزة بالوزارات.
ولتنفيذ القرارات سالفة الذكر يجب اعتماد حزمة من التعديلات على قانون الخدمة المدنية بحلول نهاية العام الحالي 2020.
وكذلك وجه جومارت- توقايف، إلى مراجعة التنظيم التشريعي المفرط للسلطة التنفيذية، حيث كل شيء يحتاج إلى قانون، وهذا يثقل كاهل البرلمان، ولذا يفضل أن يتم التعديل مرة واحدة ويمنح الصلاحيات وإطلاق اللامركزية، ففي “عالم سريع التغير، يصبح اتخاذ القرار البطيء تهديدًا للأمن القومي”.
لذلك وفي إطار مفهوم السياسة القانونية ومن خلال تغيير التشريع، يجب ضمان التوازن بين مستويات التنظيم القانوني.
ولم يغب عن الرئيس مشكلة تحسين حوكمة الشركات شبه الحكومية.
فهناك عشرات الشركات الوطنية وعشرات الآلاف من الشركات المملوكة للدولة العاملة في البلاد، وفي الوقت نفسه تعتبر المنظمات شبه الحكومية الكبيرة شركات مساهمة والغرض منها هو ضمان الربح؛ ولكن إذا تم نقل جزء من وظائف الدولة إليهم، فيجب أن تكون أنشطتهم خدمية تمامًا ومساعدة للمواطنين والاقتصاد.
وأوضح جومارت- توقايف، أن هناك خلط في المفاهيم في العديد من الشركات المساهمة، وتصبح حوكمة الشركات إجراء بيروقراطيًا إضافيًا، لذا يجب مواصلة إصلاح القطاع شبه العام بأكمله، والإعلان عن بعض القرارات بناء على مقترحات الحكومة حول هذا الشأن.