الخميس , نوفمبر 30 2023
الرئيسية / آراء وتحليلات / دروس في السياسة وتأثيراتها على الساحة السياسية التركمانية (1)

دروس في السياسة وتأثيراتها على الساحة السياسية التركمانية (1)

د. عاصف سرت توركمن

يواجه التركمان اليوم مرحلة سياسية عصيبة تُعتبر من أصعب المراحل منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، وقد تتعقد بمرور الزمن فيما إذا لم يتم التعامل معها بصورة فعلية وواقعية وعقلانية، وتطرح معها الكثير من التساؤلات حول مستقبل القضية التركمانية وما آلت اليه الأمور بعد أن تَجلّت الحقائق وانكشفت الخفايا والنوايا وهوية الأشخاص المعنيين، ويعزو ذلك إلى أسباب عديدة سيتم ذكرها وتحديدها كل على حدا، وبالتفصيل مع ذكر المسببات، وكيفية التعامل معها وطرق تجاوزها والاستعداد لما قد لا يحدث والتعامل مع ما حدث.

ونظرًا لسعة موضوع علم السياسة وتعقيداته الفهمية وتشعب فروعه الذي يحتاج إلى مجلدات لشرحه، وحجم الدروس التي آمل أن يستفيد منها الساسة والسياسيين التركمان، وتطبيقها في جداول أعمالهم وفي أروقة البرلمان العراقي، والتأثير على الحكومة العراقية لتوضيح الصورة الحقيقية للقضية التركمانية التي باتت تتنفس أنفاسها الأخيرة، وتطبيقها أيضًا في العلاقات الخارجية وفي اللوبي الداخلي والإقليمي واللوبي الخارجي الذي تقوَّضَ وتعرض إلى الابتزار بعد إغلاق ممثليات الجبهة التركمانية العراقية في الخارج من قبل الدراويش ومريديهم الذين حاربوا الجبهة، ولا زالوا يحاربونها بكل ما أوتوا من قوة، لذا فقد ارتأيت أن أقدم هذه الدروس على شكل حلقات مبسطة ليتسنى للقارئ الكريم الإستقراء والتعمق والبحث في ثناياها وخفاياها وفهمها واستيعابها بإمعان.

إنّ المتأمل في ثنايا صفحات التاريخ والسياسة بعد إمعان النظر فيها يَجِد أنّ السياسة هي عامل من عوامل الحياة، ومهنة مارسها الملوك والقادة في أركان دولتهم وفي علاقاتهم الخارجية مع الدول والشعوب المجاورة لهم.

وقد مُورست السياسة في عهد معظم الحضارات السومرية والبابلية والتركية والصينية واليونانية والفارسية القديمة أيضًا.

ورُبَّ سائل يسأل، هل السياسة وحدها كافية في العمل السياسي، أم أنها بحاجة الى مُقوّم آخر وهو التاريخ؟

وقد سألني أحد الأصدقاء عن سبب تطرقي لموضوعات التاريخ في معظم مقالاتي السياسية، وآمل أن يكون جوابي مقنعًا له اعتمادًا على المقولة المشهورة “من لا تاريخ له لا حاضر” لأن التاريخ هو الحافز الأساسي لتقدم ونجاح الأمة، ومن التاريخ نتعلم الدروس والعبر، لذلك كلما كانت الأمة متمسكة بتاريخها وخاصة بالتاريخ التركي المُشرف تكون في حالة أفضل من قريناتها، واليوم تتجلى لنا حقائق ارتباط التاريخ بالسياسة؛ لأن الحرب اليوم، وخاصة في هذا القرن من الزمان هي حرب العقول وغزو الثقافات فالأمم غير المتمسكة بتاريخها وثقافتها معرضة للزوال.

إذن فهناك ثَمة تلاحم وثيق بين التاريخ والسياسة، كما وأنهما صنوان لا غنى لأحدهما عن الآخر، فالتاريخ يعكس لنا الماضي بكل جوانبه من الثقافة والفكر والتعليم واُسلوب الحياة وأساليب الحُكم وكل ما يتعلق بالمجتمع من الجغرافيا والحضارة وغيرها، أما السياسة فهي أسلوب تطبيق مكونات التاريخ على أرض الواقع لنيل الحقوق المشروعة.

ويؤكد المختصون بعلم السياسة، أنَّ السياسة تدخل ضمن التاريخ، وأنها جزء منه، وأنها من بعض اهتمامات التأريخ.

ولا شك أنه من الصعب فهم الظواهر السياسية المعقّدة بمكوّناتها المتعدّدة والمتنوّعة إلا في سياقها التاريخي، فالسياق التاريخي هو دراسة التاريخ للحدث من حيث الزمان والمكان، والعلاقات القائمة بين أطراف الحدث، والأدلة والوثائق التاريخية.

وتتجلى هذه العلاقة من خلال ما يقوم به المؤرخون بإبراز الجوانب المختلفة للحدث من خلال الوثائق المتوفرة، والأمثلة عليها كثيرة، منها إبراز الوثائق والخرائط والإحصاءات والوقائع التاريخية التي تثبت الهوية القومية لبقعة من البِقاع.

وهنا تظهر العلاقة مجددًا بين المؤرخين والسياسيين، وبمعنى آخر بين التاريخ والسياسة، حيث يقوم المؤرخون بدراسة الوثائق المتوفرة لاستجلاء الحقائق، ويقوم السياسي بدوره بتحديد حقيقة ما حدث والعمل مع النخبة السياسية على إدراكها لما حصل، وعلى ضوئها تُتخذ القرارات اللازمة بخصوصها، ويتم رسم خارطة الطريق ووضع الإستراتيجية الخاصة بها ومن ثم تطبيق آليات العمل وأسلوب تطبيق التكنيك اللازم على أرض الواقع.

وتفتح لنا العلاقة بين التاريخ والسياسية بابًا يُرشدنا إلى العلاقة بين الإستراتيجية والتكتيك!

إذن.. نستنتج بعد الدخول من هذا الباب الى أنَّ مفهوم الإستراتيجية والتكتيك في العمل السياسي عنصران مهمان في السياسة، وسيتم التطرق اليهما بالتفصيل في الحلقات القادمة إن شاء الله.

والسؤال الذي يطرح نفسه، هل مؤسساتنا السياسية لديها إستراتيجية واضحة في عملها السياسي أم أنها فقط شعارات، مثل الحفاظ على وحدة العراق أرضًا وشعبًا؟

وإن كانت لها، فلماذا لا تقوم الأحزاب بتوضيحها وعرضها على الشعب من خلال الندوات واللقاءات التلفزيونية أو حتى بطبع كراسات خاصة بها؟

لأن الشعب التركماني بات لا يَعرف أين سترسي سفينته السياسية.

هل سترسِي في بر الأمان، أم أنها ستبقى في عرض البحر تصارع الأمواج  حتى تغرق؟

ومَنْ مِنَّا لا يريد وحدة العراق أرضًا وشعبًا؟

ومن مِنَّا لا يحب العيش بإخوة مع باقي مكونات الشعب العراقي؟

ولكن يجب الاستعداد للأيام القادمة وللطبخات السياسية التي تعمل على تجزئة العراق إلى أقاليم أو مكونات قومية وطائفية؟

وأين سيكون موقف التركمان من هكذا مشاريع، وماذا أعدّوا لها؟

وما هي الأسباب التي جعلت التركمان يفقدون مركزهم السياسي في بغداد خلال العشر السنوات الأخيرة؟

وهل نلوم أنفسنا أم نلوم السياسيين أو نلوم الحكومة العراقية؟

كل هذه الأسئلة تحتاج الى إجابات واضحة.

على أمل اللقاء بكم في موضوع الحلقة الثانية “تعريف علم السياسة”.

شاهد أيضاً

كاكار: «الحزام والطريق» و«الممر الاقتصادي» يحققان أهداف التنمية المستدامة

أشار رئيس الوزراء الباكستاني أنور الحق كاكار إلى أن «مبادرة الحزام والطريق» الصينية و«الممر الاقتصادي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *